الأربعاء، 30 مارس 2011

لماذا نحتفل بالموالد

لماذا نحتفل بالموالد : سؤال توجهت به إلى الحضور الذين شاركوا فى الاحتفال بمولد سيدنا الحسين هذا العام (ربيع الآخر 1432 هـ/ مارس 2011م) ، والإجابة الظاهرة : جئنا لنحتفل بمولد سيدنا الحسين رضى الله عنه وأرضاه، وأدعى عليكم وعلى كل إنسان أتى للاحتفال بهذا المولد مهما كانت درجته ثقافته أن هناك إجابة أخرى مستبطنة فى وعيه ، وهى أننا أتينا لإثبات هويتنا وتثبيتها ، ليست هويتنا الصوفية الخاصة فحسب ، ولكن هويتنا الإسلامية العامة، وليست فى هذه الإجابة أدنى مبالغة، ولو رتبنا المقدمات حتى نصل إلى النتيجة لوجدنا أنها إجابة منطقية ، وإن كانت غائبة عن بعضنا، الحقيقة أن لكل حضارة مركز ، والصراع بين الحضارات الآن هو صراع حول مراكز هذه الحضارات ، والحضارة الغربية فى صراعها معنا تحاول أن تزيحنا عن مركز حضارتنا ، فما هو هذا المركز هو : النص كتابا وسنة ، وقد قام حول هذا النص من يبلغه ويخدمه : النبى صلى الله عليه وسلم ، وآل البيت ، والصحابة ، والعلماء، والأولياء ، وكل من هؤلاء يمثل عروة من عرى الإسلام ، ومن يمس شيئا منها فإنما ينقض عروة من عرى الإسلام، وكل من هؤلاء يمثل حمى من حمى الإسلام ، ومن يقع فيه فإنما يقع فى الحمى ، ومن خلال ذلك قامت مجموعة عظيمة من العلوم ومن المؤسسات التى تخدم هذه الطوائف وهذه العلوم ، قامت مؤسسة المذاهب الشرعية لتخدم دائرة الإسلام، ثم قامت حول المذاهب مؤسسات من مدارس علمية ، وقامت مدارس العقيدة من أهل السنة الأشعرية والماتريدية من أهل الحديث لتخدم دائرة الإيمان ، وقامت لها مؤسسات تراعها ، وقام الأولياء لتخدم دائرة الإحسان ، وقامت مؤسسات الطرق الصوفية لتراعها، وهكذا ... ونشأت حول هذا مؤسسات عامة تراعى الجميع كمؤسسة الوقف ، ومؤسسة النقابات ، وآل البيت يرعون الجميع، ولهم نقابتهم التى ترعى شئونهم، مذهب الإمام الشافعى مثلا ، أنه أعرفه وأعرف وجوده ومتيقن من ذلك، ليس من كتبه وأصحابه فقط ، ولكن بوجود ضريحه، لا يمكن أن يأتى أحد فيدعى لنا أن الشافعى لا وجود له ، وضريحه موجود وقائم، والحمد لله أن أضرحة الأئمة الأربعة الذين حمى الله بهم الشريعة معروفة وموجودة، بينما شكسبير الذى يعد أكبر من شكل وجدان العالم الغربى يشككون فى وجوده رغم أثره الواسع، ولو كان عندهم ضريحه ما شكوا فى وجوده.

ديننا باق ليس كوجود روحى ومعنوى فحسب، ولكن لأن له مراكز مادية تجتمع حولها أمة الإسلام، وأول هذه المراكز المادية هى الكعبة الشريفة، فالحرم النبوى ومقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفتيه الشيخين أبى بكر وعمر، ثم تلك المراكز المنتشرة فى أصقاع العالم الإسلامى كلها من أضرحة آل البيت والصحابة والعلماء والأولياء، لا يمكن أن أشك فى وجود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وضريحه موجود، ليس هو فقط بل وأضرحة آل بيته وأصحابه والعلماء والأولياء فى مشارق الأرض ومغاربها.

ومن ثم عندما أتى الاحتلال الغربى حاول تفكيك هذه المؤسسات جميعا ، ليحاول أن يزيحنا فى النهاية عن مركز حضارتنا ، ومن ثم فكل من يحاول أن يهدم شيئا من هذه المؤسسات فإنما هو يعمل فى إطار المخطط الغربى لهدم حضارتنا فى إطار صراعه الديكتاتورى مع الحضارات الأخرى للقضاء عليها ، حيث لا يعرف الغرب إلا الحضارة الواحدة وهى طبعا حضارته المادية ، ومن هنا فالحركة الوهابية هى مخطط غربى محض، وفى حدود هذه الرؤية : تأتى محاربة من يحارب المذاهب الفقهية المعمول بها لإزاحتنا عن مرتبة الإسلام ، وتأتى محاربة من يحارب العقيدة أهل السنة والحديث (الأشعرية / الماتريدية) لإزاحتنا عن مرتبة الإيمان ، وتأتى محاربة من يحارب الطرق الصوفية وهدم الأضرحة لإزاحتنا عن مرتبة الإحسان، كل هذه الحرب على مؤسساتنا الفكرية والعلمية والدينية والصوفية إنما تأتى فى إطار دفعنا عن مركز حضارتنا (النص كتابا وسنة) .

لماذا تأتى لمولد سيدنا الحسين، لأنه حفيد النبى صلى الله عليه وسلم، ومن هو النبى صلى الله عليه وسلم، هو الذى بعثه الله بالكتاب الكريم ومثله معه (السنة). إذن الاحتفال بمولد سيدنا الحسين يوصلنا إلى مركز حضارتنا إلى هويتنا . لماذا تحتفل بمولد الأولياء والصالحين ، لأنهم عملوا بالكتاب والسنة والعمل بالكتاب والسنة هو حقيقة التصوف كما يقول شيوخ القوم ، فاستحقوا أن يكونوا الأولياء بهذا ، ولذلك نحتفل بهم، فاحتفالنا بهم إنما هو احتفال بالعاملين بالكتاب والسنة.

ولكن للأسف، وحتى يصدق النبى صلى الله عليه وسلم ، فإن عرى الإسلام ستنقض عروة عروة ، وسيرتفع العلم، ويفشو الجهل ، وستذهب المذاهب الشرعية سيذهب الإمام الشافعى ضريحه ومذهبه، وستذهب الطرق الصوفية وستذهب العقيدة الأشعرية والماتريدية لأنها جميعا هى العلم الصحيح ، واختفاؤها وذهابها دليل على أنها الحق وأنها العلم الصحيح ، لأن هذا هو ما حكم به النبى صلى الله عليه وسلم أن يرتفع العلم ويفشو الجهل، فالذى يختفى سيكون من العلم الصحيح، والذى يظهر ويفشو هو من الجهل ، ولهذا أجمع العلماء والأولياء شرقا وغربا على أن ما نراه الآن من تمسلف وتوهب هو من الجهل الذى يفشو ، وكل الذى نرجوه من الله ألا يكون ذهاب هذا العلم وهذه المؤسسات على يد أحد منا ، وأن نقوم لحمايتها بأنفسنا وأموالنا وكل ما لدينا من جهد ووقت، لأن حمايتها هو حماية ديننا الحنيف بمفهومه الصحيح، وستأتى الفتن، ولكن الناصح منا لدينه الثابت عليه، هو الذى لا يأتى ذلك على يديه، ويقف ثابتا فى مكانه ، ولا يفتح باب فتنة أبدا وهو موجود إلا كسرا، فهل سنفعل وهل سنثبت فى أماكننا ، ونعمل على إثبات هويتنا و تثبيتها، ولا نزول عن هويتنا التى يريدون أن يزيحونا عنها.

(كلمة ألقيت بتوفيق من الله وحده بمضيفة مولانا الشيخ إسماعيل العدوى بمناسبة مولد سيدنا الحسين ربيع الآخر 1432 هـ، ومع إضافات وتطوير للفكرة، والتى لاقت قبول الحضور ، وتأييد أصحاب الفضيلة الذين تكلموا بعد ذلك، مولانا الأستاذ الدكتور العلامة جمال فاروق والذى لم يكن يرغب فى الكلام فشجعته كلمة الفقير على الحديث ، ومولانا الإمام العلامة الأستاذ الدكتور طه الدسوقى حبيش، كما لقت استحسان فضيلة الأستاذ الدكتور عطية عبد الموجود الذى تقدمنى بالحديث، والحمد لله وحده)

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

من لطائف مجلس البخارى: صحة البدايات مؤذنة بصحة النهايات

هذه القاعدة من القواعد السلوكية المهمة التى ينبغى أن يعتنى به كل مقبل على طريق الله تعالى : صحة البدايات مؤذنة بصحة النهايات.
ومن ثم فلا بد من العناية بتصحيح البداية بالتوبة الصادقة والعمل بالشريعة ... ومتى صحت البداية صحت بإذن الله تعالى النهاية.
وهذه القاعدة تقع كثيرا فى كلام شيوخ الطريق بعبارات شتى والمعنى واحد.
وقد وجدت لها أصلا فى الحديث الثالث من صحيح البخارى وفيه بعد أن نزل الوحى عليه صلى الله عليه وسلم بغراء حراء : "فدخل صلى الله عليه وسلم على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال: زملونى زملونى ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسى، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق ..."، فانظر إلى جوابها رضى الله تعالى عنها وأرضاها، وكيف استدلت على صحة النهاية بصحة البداية، وأن من صحت بدايته صحت نهايته، فمن فعل هذه الخصال الحميدة العالية لا يقع له ما يسوءه من الله أبدا.

الاثنين، 20 ديسمبر 2010

لطيفة وقعت فى مجلس إقراء البخارى: الاستدلال على تأثير الأحوال الربانية على القوالب الإنسانية

أخرج البخارى فى الحديث الثانى من صحيحه عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحى ... الحديث وفيه : "قالت عائشة رضى الله عنها : ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن لجبينه ليتفصد عرقا".
فقد تأثر قالبه صلى الله عليه وسلم الشريف من نزول الوحى الإلهى عليه، فقوالب أهل الله أولى - لضعفهم مقارنة به صلى الله عليه وسلم - بالتأثر بما يرد عليهم من أحوال ربانية، وإن كان لا وجه للمقارنة بين الوحى الإلهى والواردات الإلهية، حتى لا يفهم علينا أحد غلطا أنا نثبت للأولياء ما للأنبياء من الوحى.

لطيفة فى مجلس إقراء البخارى: بداية البخارى ببدء الوحى والإيمان قبل العلم

عادة يبدأ المتكلمون وأصحاب العقائد كلامهم أولا بالعلم وإثباته ومصدره والعقل ثم الكلام فى مباحث الإيمان، فموقفهم عقلى ابتداء. يثبتون العقل أولا ثم يثبتون أنه مصدر العلم، ثم يثبتون بالعلم الثابت بالعقل الإيمان بالله.
لكن الإمام البخارى بدأ بموقف نقلى ابتداء، الوحى أولا ثم الإيمان ثم العلم، الوحى مصدر الإيمان ، والإيمان مصدر العلم.
وهو موقف إسلامى أصيل نقط البدء فيه إلهية سماوية، شتان بينها وبين نقط البدء عند المتكلمين.
ومن جهة أخرى بينما تحول المتكلمون بالإيمان إلى مجردات ذهنية محضة، لا يصلح للخطاب بها إلا الفلاسفة وأصحاب المعقولات، وصار معتقدهم جافا عقلانيا ، احتفظت لنا السنة النبوية الشريفة - التى قدمها لنا الإمام البخارى - بروعة الإيمان وببشاشته التى تخالط القلوب .
نجد فى كتاب الإيمان من صحيح البخارى خطابا يصلح للكافة ودعوة كل الخلق إلى الحق، نجد إيمانا يمتد بأبعاده المتنوعة يسرى من القلب إلى اللسان إلى الجوارح، تجد إيمانا سهلا يسيرا يحث على العلم والعمل ، ويبعث فى الإنسان القيم العليا ، ولا يقتصر على مجردات ذهنية محضة .
اقرأ حديث "الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان"، لتستشف الإشارة فيه للعلاقة بين الإيمان والقيم الخلقية.
واقرأ الحديث الذى يليه "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" لترى فيه أثر الإسلام فى السلوك الاجتماعى.
وبعده بحديث يأتى قوله صلى الله عليه وسلم :"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
هذا هو الإيمان الذى أتى به سيدنا رسول الله صلى الله وعليه وسلم إيمانا يرسخ فى القلب ويسرى إلى الجوارح ويصبغ المجتمع ويوجه السلوك.
أين هذا الإيمان الحقيقى والرائع من الإيمان الذى قدمه لنا المتكلمون.

الأحد، 18 يوليو 2010

أهمية قراءة الأدب العالمى:

7 شعبان 1431 هـ - 19/7/2010:
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب وفى إطار مهرجان القراءة للجميع ومكتبة الأسرة : الأعمال الأدبية الكاملة لأديب روسيا الكبير دوستويفسكى ، ترجمة الدكتور سامى الدروبى.
كنت قد قرأت أشياء يسيرة لهذا الأديب قديما، ولكنى سررت بالحصول على أعماله الكاملة، فالأعمال الكاملة تيسر للمهتم الاطلاع على مجمل أعمال الأديب أو المفكر دون عناء.
زففت إلى بعض أهل العلم هذا الخبر، فوجدت إعراضا منهم عن الكتاب، ووجدت من بعضهم عدم معرفة بأهمية قراءة الأدب عامة، وعدم معرفة بهذا الأديب خاصة.
وفى الحقيقة فإنى أرى أهمية كبيرة لقراءة الأدب المعاصر، ليس فقط على مستوى اللغوى للقارئ ، ولكن الأدب الجاد والمثمر مرآة لمجتمعه، ومن ثم فإن قراءة أدب أمثال نجيب محفوظ مثلا سيساعدك قطعا على فهم الشخصية المصرية، وسيوفر عليك سنوات طويلة من الرصد والمتابعة.
فأمة كبيرة مثل الأمة الروسية ينبغى لأهل العلم المتفتحين أن يقرأوه حتى يعرفوا ماذا يشكل وجدان هذه الأمة.
فالأدب كما أنه مرآة لمجتمعه فإن عنصر أساسى من عناصر تشكيل الوجدان العام لكل أمة، خاصة تلك الأمم القارئة والمثقفة.
إن الله تعالى قد حثنا على التواصل والتعارف مع غيرنا من الشعوب والأمم والقبائل فقال تعالى {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}.
فالإسلام يحث على التعارف ، وأفضل طرقه الآن هو الأدب الجاد والهادف.
إن الحضارة الإسلامية لم تعرف قط الانغلاق أو الانكفاء على الذات أو التوقف عن التواصل مع حضارات الاخرين وثقافاتهم.
سيمكنك من خلال أعمال أديب مثل دوستويفسكى عاش وأصدر أعماله فى أواخر الحقبة القيصرية أن ترى تصور الروس للمسلمين ونبى الإسلام وكرههم للأتراك العثمانيين، ستدرك شيئا من جذور مشكلة الشعوب الإسلامية فى هذه البلاد.
لقراءة الأدب عامة ونتاج كبار الأدباء خاصة فوائد جمة، ويمكن لأهل العلم أن يستغلوا كثيرا من الوقت الذى يكونون فيه مجهدين من الطلب والقراءة العلمية المتخصصة لكى يجموا أنفسهم بقراءة لطيفة ومثمرة فى الآداب العربية والعالمية لكى يكونوا إدراكا أفضل بالعالم من حولهم يساعدهم. وإدراك الواقع جزء من هام من عمل أهل العلم ودون إدراك صحيح للواقع لا يمكن الفتوى بصورة صحيحة.

من استحق النار فصولح بالرماد فقد استوجب الشكر عليه:

6 شعبان 1431 هـ - 18/7/2010:
هذه حكمة نطق بها عارف من أهل الله تذكرتها اليوم ، وقد صدمتنى سيارة ميكروباص أجرة من الخلف صدمة قوية عند مطلع كوبرى السيدة عائشة بالقاهرة، لم أقف ولم أنزل من السيارة ولم أنظر ماذا أصابها ، وإنما رأيت ذنوبى حاضرة بين عينى ، وقلت فى نفسى: "يا رب أسامحه وتسامحنى، وأسيبه وتسيب لى"، وتذكرت مقولة ذلك العارف الحكيم عندما سقط عليه رماد من سطح أحد المنازل ، فسُرّ وجعل يحمد الله تعالى وقال : " من استحق النار فصولح بالرماد فقد استوجب الشكر عليه "، وهكذا والله تعالى الحال بل أشد ، فمن كانت ذنوبه أكثر وأكثر استحق أن تنزل عليه المصائب تترى، فإذا نزلت مصيبة واحدة كان فى نعمة كبيرة تستوجب الشكر، كما تستوجب تلك الذنوب التوبة ، وقد قال تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى 30]، فالحمد لله تعالى.
ومن العجب أننى لا أنزل من بيتى عادة إلا إذا قلت شيئا من أذكار الصباح والحفظ ، وحفظت نفسى ووالديى وأخوتى ومشايخى وكل من أحبنا وكان له بنا علقة ، وكل مسلم ومسلمة فى أنفسنا وعيالنا وأولادنا وأموالنا، فمنعنى الله منها اليوم، وعندما أخبرت الوالدة بما حدث ، قالت لى : سبحان الله ، أن أدعو الله لكم كل يوم بالحفظ بعد أن أصلى الفجر، فلم أدع اليوم. فقلت لها: إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، قد كان بلاء نزل ولا بد ، فمنعنا الله من أن نأتى بما يمنع البلاء ويحفظنا منه حتى يمضى الله أمره ، فالحمد لله نرضى بما قضاه لنا ، ونضع رقابنا تحت سيف قضائه وقدره {فلما أسلما وتله للجبين}. فاللهم ارفع عنا البلاء ، والطف بنا فى قضائك وقدرك، وارزقنا الإنابة والتوبة الصادقة ، والتسليم.
ونسأل الله تعالى أن تتجاوز عنا فى كل ما كسبت أيدينا وقارفناه من أثم وذنوب ومعاص وغفلة، نسألك قربك ، وحبك ، ورضاك ، ولطفك ، ونسألك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة.

أخوانية فى المحبة فى الله ، وفيها إشارة إلى شىء من مفهوم الزمان والمكان:

5 شعبان 1431 هـ - 17/7/2010:
أخ محب شاذلى: عجبا ثم عجبا للأحبة! إن تباعدوا ازدادوا قربا ، وإن تقاربوا ازدادوا حبا.
فأجبته : بل عجبا ثم عجبا للأحبة ، المكان واحد ، والزمان واحد ، والحضرة واحدة، فمن أين يكون البعد.
شرح: أهل المحبة فى الله هم من أهل الحضرة الإلهية ، والحضرة الإلهية حضرة واحدة منزهة عن المكان والزمان الزائلين بفناء الليل والنهار ، فالزمان والمكان الأرضيين ما هما إلا مجرد وحدة قياس بدورة نجم أو كوكب يفنى ، وليس هو كل الزمان ، ولا وحدته هى وحدة الزمان المطلق، وتأمل قوله تعالى {ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} [السجدة 5] ، وقوله تعالى {تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقدار خمسين ألف سنة} [المعارج 4]، وقوله تعالى {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} [الحج 47]. وقد لفظ {يوم} فى جميعها منكرا، فأفاد التنكير أنه مجرد يوم بقياس زمانى خاص به، وأنه قد توجد أيام بقياس آخر، وقد أرجعنا الله تعالى فى قياس تلك الأيام المذكورة إلى قياس مشهود لنا وندركه بمداركنا فتارة يكون ألف سنة مما نعد ، وتارة خمسين ألف.
أما الحضرة الإلهية فيومها هو يوم الخلود {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود} [ق 34]، وإنما دخل أهل الحضرة الإلهية تلك الحضرةَ من يوم خلقهم فى عالم الذر {وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم} [الأعراف 172]، فهم فيها منعمون ، مخلدون، ما يجرى عليهم من انتقالات بين الحيوات المختلفة دينا وبرزخ وأخرى فهى نسب وإضافات لم تغير من حقيقة خلودهم فى الحضرة الإلهية حيث الزمان والمكان واحد ، والتنوع والاختلاف إنما هو بالنسب والإضافات ، ومن دخل الحضرة الإلهية وكان من أهلها الذين هم أهلها ، ذاق ذلك المعنى المشار إليه ، وعلم ألا بعد ولا قرب بالزمان ولا بالمكان فى الحقيقة لأهل الحضرة الإلهية، فرب بعيد بالنسبة أو الإضافة قريب بالحضرة ، ورب من يأتى بالنسبة إلى الزمان أو المكان بعيدا ومتأخرا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا ، ولكنه فى الحضرة الإلهية من أهل القرب منه صلى الله عليه وسلم بحيث لو نظر الناظر المطلع على تأخره بالنسبة للزمان الذى نعده ثم اطلع على قربه فى الحضرة لتعجب من قرب رغم التأخر ، وتأمل فى قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا وكافل اليتيم كهاتين" ، وأشار بأصبعيه السبابة والتى تليها.
ولهذا لا يبكى أهل الحضرة على فوات إدراك زمن نبى أو ولى فى حياة كالحياة الدنيا ، لأنه إنما هو فوت بالنسبة أو بالإضافة لا غير ، وهو مدركون لهم بالحقيقة الباقية فى الحضرة الإلهية منعمون معهم فيها.
ولا يرفع هذا شرف النسبة والإضافة ، ولا ما رتب الله تعالى عليه من تكليف وأحكام وشريعة، وإنما نجرى مع الله تعالى كيف أجرانا فحيث جعلنا فى عالم الإطلاق كنا ، وحيث جعلنا فى عالم التقييد والنسب والإضافات كنا، لا حول لنا ، ولا قوة لنا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ملاحظة باسمة : قولنا (أخوانية) يعنى من أدب الأخوانيات ، وهو نوع من الأدب العربى، وليس نسبة إلى جماعة (الأخوان المسلمون) تلك الجماعة التى ولله الحمد ليس لنا بها أى علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأى قياس للزمان والمكان.