الأحد، 1 مارس 2015

مكتبة العارف سيدى عبد الوهاب الشعرانى (ت 973 ه): 
لهذا العارف الكبير منزلة خاصة فى قلبى وتأثير عظيم على تكوينى الوجدانى والصوفى.
ويرجع فضل هذه العﻻقة إلى موﻻنا اﻹمام على جمعة رضى الله عنه.
وقد ذكرت قصتى تلك فى مقدمتى لتحقيق كتاب إرشاد الطالبين الذى نشرته مكتبة جوامع الكلم.
فمع فراغى من دراستى الجامعية اﻷولى عام 1409 / 1989 وكان أمامى عدة أشهر على موعد أداء الخدمة العسكرية .
فذهبت لموﻻنا ﻷواصل دروسى معه التى توقفت قليﻻ بسبب اﻻمتحانات وأخبرته عن موعد دخول الجيش فقال لى: اغلق كل الكتب واقرأ للشعرانى فقط وابدأ بالمنن الكبرى.
أمر بدا لى غريبا وقتها سأترك الفقه واﻷصول والمنطق .... والمتون والشروح والحواشى واقرأ للشعرانى ... ومن هو الشعرانى أصﻻ ... كنت أسمع به فحسب وأنه من رجال التصوف الكبار وأنه أكثر من يهاجمه الوهابية . وﻻ أعرف شيئا أزيد من ذلك.
لكنى أطعت اﻷمر بﻻ تردد رغم تعجبى منه ونزلت من فورى اشتريت المنن الكبرى أعظم كتب الشعرانى على اﻹطﻻق.
لقد استطاع سيدى الشعرانى أن يوقعنى فى أسره بسهولة.
 أسر امتد إلى هذه اللحظة فمهما شرقت أو غربت مع أهل الله فى مشاربهم وأذواقهم فأنا العبد الفقير أسير الشعرانى.

وتأجلت الخدمة العسكرية عدة أشهر أخرى فبقيت ﻷزيد من عام أسير الشعرانى وحده... همت معه حيث هام وتعلقت بالتصوف المصرى العملى العميق البسيط الذى يعنى بالحقيقة والسلوك فى عذوبة ويسر دون تفلسف أو تنظير نظرى فلسفى كمدرسة ابن عربى ...
تصوف عملى سهل عذب أخاذ يمتلك عليك القلب والروح والبدن ...
المدرسة المصرية فى التصوف استطاعت أن تطبع بطابعها ذلك العذب السهل كل من آتاها من أكابر اﻷولياء.
 فالسيد البدوى صار يربى بالنظرة من فوق السطح.
وسيدى أبو الحسن الشاذلى كان يربى أصحابه فى تونس بالمجاهدات الشاقة .
فلما نزل مصر وضع مذهبه الصوفى الجديد تماما كما وضع الشافعى مذهبه الجديد لما ورد مصر.
وجعل سيدى الشاذلى قاعدة مذهبه الصوفى الجديد:" الشيخ من دلك على راحتك ﻻ من دلك على تعبك".
ولما نزل حضرة العارف محمد أمين الكردى قدس سره مصر أخذ يعطى الطريق النقشبندى للفرد بعد الفرد على مصطلح النقشبندية فى تخير من يصلح للتلقين والتشديد فى ذلك فﻻ يلقن كل من طلب بل من صلح فحسب فظل عاما بطوله لم يلقن عشرة أفراد.
ولكن ﻷنها مصر وتصوفها ومحبيها فقد أتى اﻹذن لسيدنا الكردى بفتح الباب وأﻻ يرد أحدا طلب الطريق ويلقن كل من أراد.
للتصوف فى مصر إذن طابعه وسماته وتاريخه وشيوخه وأعﻻمه.
وقد نقل لنا العارف الشعرانى كل ذلك نقﻻ أمينا ودقيقا وواعيا.
بدأ الشعرانى كمؤلف أوﻻ من عباءة الشيخ اﻷكبر ابن عربى ، كما نراه فى كتاباته اﻷولى عن الخلوة والمقامات وإرشاد الطالبين واليواقيت والجواهر والكبريت اﻷحمر ... وهى مدرسة مختلفة فى ذوقها ومشربها عن المدرسة المصرية.
لكن سرعان ما تخلص الشعرانى من تلك العباءة اﻷكبرية واستطاع أن يمسك باتجاه لم يحسنه سواه وهو هضم وتمثل المدرسة الصوفية المصرية فى القرن الثامن والتاسع والعاشر ونقل صورة أمينة لها.
وحسنا فعل الشعرانى بالتخلص من العباءة اﻷكبرية والتواصل مع المدرسة الصوفية المصرية التى كانت فى أوج نضجها فى هذه الفترة ليقدم لنا الشعرانى فكرها الصوفى وتاريخها المشرق .
اقرأ ذلك فى عهوده المحمدية وفى عهود المشايخ أو البحر المورود فى المواثيق والعهود أو فى اﻷخﻻق المتبولية أو فى قواعد التصوف أو تنبيه المغترين .
وأخيرا فى تجربته الصوفية الخاصة به والتى قيدها لنا فى كتابه اﻷهم "لطائف المنن واﻷخﻻق".
أنشر لﻷحباب مجموعة ممتازة من مؤلفات سيدى الشعرانى من أرشيفى اﻷلكترونى اجتمعت لدى عبر سنوات من المتابعة على الفضاء الألكترونى هنا وهناك.
وقد علم مما سبق ما ينبغى أن يبدأ به فى القراءة من أحب أن يدخل إلى عالم الشعرانى.

ليست هناك تعليقات: